رياضة

شعاع من مارج: عبر وقياس

شعاع من مارج 20

روي في الموروث التاريخي العربي الإسلامي أن سعد بن أبي وقاص وهو أحد أخوال الرسول صلى الله عليه و سلم وثالث أوسادس من أسلم حسب اختلاف الروايات، كان مستجاب الدعاء كلما دعا لأحد إلا وأصاب في دعائه. وحسب الروايات دائما فإن سعد أصيب في آخر حياته بالعمى عافانا وعافاكم الله، فجاءه يوما واحد من أبنائه وقال له : “يا أبت إن الله يستجيب لدعائك وأنت الطاهر المؤمن المخلص في إيمانه وفي إسلامه، فلم لا تدعوه كي يعيد لك بصرك؟” فأجاب سعد : “يا بني، إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، فوالله إن ابتلاءه لي بالعمى لأحب عندي من نعمة البصر.”
و قال بعض المفسرين لسورة الشرح التي جاء في آخرها : “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” إن الحكمة من تكرار الجملة مع ذكر العسر معرفا و ذكر اليسر غير معرف، أن العسر واحد محدد و أن اليسر أكثر من واحد لذلك فإن كل من أصابه الله بعسر وصبر عليه و قبله برحابة صدر المؤمن سيجازيه الله بيسرين اثنين.
هذا بعض ما كتب في مراجعنا التاريخية والإسلامية التي نتمسك بها بعيدا عن كل وصاية حزبية أو توظيف سياسي مقيت. فالدين قبل كل شئ و بعده لله وحده. ولا خير في من يستعمله لغايات و مصالح ضيقة دنيئة.
ولقد عدت إلى هذا الحديث و أنا أواكب لحظات يعيش فيها أبناؤنا في الكاميرون إحساسا بالضيق والعسر بعد أن أصيب نصف عناصر المنتخب بفيروس كورونا اللعينة لأقول لهم و للمدرب المنذر الكبير :”عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”.
ربما هو ابتلاء من الله ولا مردّ لقدره ولا خيار أمام الجميع سوى قبول ما حصل بصدر مفعم بالإيمان لعل الله يجعل بعد ذلك يسرا وخيرا كثيرا إن لم يكن في اليوم فسيكون حتما في الغد.
و ليدرك الكبير بالخصوص وهو الذي يعاني ضيم حملات التشكيك ونكران المعروف من قبل بعض من تغلغلت الأحقاد و تغلغل الحسد في نفوسهم من المتمرسين في الإدلاء بكلام أحط من مستوياتهم، ان الصبر على مظالم الناس ليس أجزى من الصبر على قدر الله فتوكل عليه راضيا بما كتب و”قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.”
لست أجامل هذا الرجل. ولست من أقاربه أو من بني حارته، لم يحدث أن التقيت به إلا في إطار عمل. لكنني من خلال مواكبتي لمسيرته منذ كان لاعبا فرض علي أن أحترمه. احترمته لأنه متخلق، و احترمته لأنه جدي، واحترمته لأنه مثقف و صاحب مستوى أكاديمي عال جعله من بين فئة نادرة من اللاعبين الذين وفقوا بين الكرة و الرياضة ليكسروا القاعدة المتخلفة التي تقول إن التوفيق بينهما مستحيل، و احترمته لأنه مخلص في عمله نزيه في تعامله لا يظلم و لا يفتك حق هذا ويعطيه لذاك، و احترمته لأنه صاحب رؤية و أفكار و صاحب مشروع. قد لا تتفق معه، وهذا أمر مقبول، لكن أن تشكك في خصاله و كفاءته فهذا يصبح تجن واعتداء على الرجل و على حقيقة الأمور.
لم أقل يوما إن المنذر الكبير مدرب لا قبله و لا بعده، ولم أقل يوما إن المنذر الكبير لا يخطئ بل إنه هو بذاته لا يمكن له أن يقول مثل هذا الكلام على نفسه، لكنني مقابل ذلك أقر بأن الرجل هو من خيرة ما عندنا وهو جدير بالمكان الذي هو فيه و أننا نستحق إلى الكثير من أمثاله في كرتنا إن كنا نريد لها صلاحا. أما الإنتصار و الهزيمة في مقابلة أو حتى في دورة فهو ليس مقياسا لتقويم قيمة مدرب. و إلا فلنقل إن الألمان لا يفهمون ولا يحسنون التصرف حين تمسكوا بمدربهم لوف وأبقوا عليه أكثر من سنتين أخريين بعد انسحاب المنتخب الألماني في سابقة تاريخية من الدور الأول للمونديال.
إن الرجل منا يقوم بعمله ويؤدي واجبه أما التوفيق فمن الله وحده خاصة حين نتحدث عن كرة القدم التي لم تكن ولن تكون علما صحيحا حتى نحدد مسارا واحدا للتوفيق و نتفادى مسارا محددا للإخفاق فيها. ومباراة في كرة القدم يمكن أن يحكم فيها شئ لا يتوقعه إلا عالم الغيب و استعداد اللاعب لها مهما استكشفه المدرب مسبقا في التمارين فإنه لا يطلع على مداه إلا أثناء اللعب الذي قد يكتشف خلاله أن من كان الأفضل خلال فترة التحضير قد يتحول ألى الأسوأ أثناء اللعب و العكس بالعكس وارد.
و لست ضد من ينقد اختيارات المنذر الكبير فهو ليس معصوما، لكن لنتفق معا، ماهو النقد؟ النقد هو عملية تقويم تحدد الإيجابي وتحدد السلبي و تستخلص الإستنتاج و تطرح الحلول لتفادي السلبي أو للحد منه. والناقد يجب أن يكون بالأساس صاحب اختصاص ويجب أن يكون مخلصا نزيها و غير مجامل في أداء دوره و إلا فلا ناقة له و لا جمل في الموضوع. فهل أن ما نراه و ما نسمعه من شتائم و ادعاءات و تهم غير قائمة على أي دليل أو إثبات يسمى نقد ؟ هل من النقد أن نقول إن الكبير يفضل حمزة المثلوثي لأن هذا اللاعب ابن حارته ؟ أي دليل على هذا الإدعاء؟ هل من النقد أن نقول إن الكبير ليس بمدرب ؟ ترى هل أن من يقول هذا هو من أعطاه شهادة مدلسة ؟ هل من النقد أن نقول إن الكبير ليس هو من يحدد الإختيارات الفنية دون أن يكون لنا أي إثبات سوى رؤية الهلال؟ هكذا نقولها بالتخمين و الاتكال على سوء النية ؟ هذا ليس بالنقد , هذا هراء من أشخاص وظفتهم الصدف و قادهم التطفل ليتطاولوا على النقد و هو براء منهم و من حساباتهم.
أريد أن أسال كل هؤلاء وخاصة منهم من مازال يركب على حادثة انهزام منتخبنا في تصفيات المونديال ضد غينيا الإستوائية ماذا ستقولون اليوم عن جمال بلماضي مدرب منتخب الجزائر بعد الهزيمة ضد غينيا الأستوائية وهم الذين قالوا دائما إنه الأفضل و إننا نحتاج إلى واحد مثله؟ هل سيصبح هو اليوم في نظرهم أيضا غير كفء ولا يصلح كمدرب و مجامل و..و,.. ؟
ألم أقل لكم إن كرة القدم ليست بالعلم الصحيح؟ ألم أقل لكم إن لكل مدرب في الدنيا نجاحات وكبوات ؟ ألا تريدون أن تعترفوا بأن قيمة المدرب هي في كفاءته وإخلاصه لعمله وونزاهته والباقي على اللاعبين في الميدان وعلى الله فهو ولي التوفيق؟
إن لم تقتنعوا فأنا مقتنع بهذا مثلما أنا مقتنع بأن الكبير مدرب كفء وجدير بالمنتخب وأنه يؤدي الواجب بكل ما أوتي من تفان، وأن جمال بالماضي مدرب كفء وجدير بالمنتخب، مهما ستكون نتائج تونس والجزائر في الكاميرون. فقط أتمنى أن لا يقال لي أيضا إنني أدافع عن جمال بالماضي لأنه ابن حارتي أو صهر من أصهاري لأننا وقتها سنضيف إلى ما لدينا من مهازل”نقدية” مهزلة أخرى، لكنها كوميدية.

Tagged , , , ,

About عبد الباقي بن مسعود