رياضة

حسابات FTF Litiges: شعبوية الجريء تُغرق الأندية وتدمّر ما بقي من الكرة التونسية

وديع الجريء رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم

من ينظر في قائمة «مشاريع» الجامعة التونسية لكرة القدم في العامين الأخيرين يجد على رأسها فتح حسابات بنكية لإنقاذ الأندية من براثن أزماتها المالية الفادحة. وهذا ما وقع العام الماضي مع النادي الإفريقي وحصل مع النادي الصفاقسي والنجم الساحلي في الأيام الأخيرة.

والعجيب أن قوانين الجامعة التونسية لكرة القدم تحدّد إدارة وتطوير وترويج وتحسين وتنظيم ومراقبة ونشر ممارسة كرة القدم كأهداف أساسية لوجودها، ولكن تلك القوانين لم تتحدث عن مكافأة لسوء التصرف المالي والإداري وللإخلال بالقوانين وللاعتداء على حقوق المتعاقدين وذلك بإيجاد مخارج قانونية وابتداع حيل بهلوانية لإنقاذ مرتكبي هذه المخالفات الجسيمة والتي تناقض، ليس فقط قوانين الجامعة التونسية، بل تتعارض كليا مع قوانين الاتحادين الدولي والقاري الذين تنتمي إليها.

مكافأة سوء التصرف المالي والإداري

فقوانين الفيفا والكاف تنصّ على مكافأة الاستحقاق الرياضي وتشجع على الحوكمة الرشيدة وتنبّه إلى إجبارية الالتزام بالقانون خاصة في المسائل المالية ولا تنصّ بتاتا على تشجيع مرتكبي الخروقات المالية، بل تدعو إلى تطبيق القانون عليهم بكل صرامة حتى لا يتسبب التسامح والتساهل معهم في المسّ من مصداقية الهياكل المنظمة لكرة القدم.

ولكن الجامعة التونسية لكرة القدم كعادتها ضربت المنطق السليم عرض الحائط واختارت طريقا آخر يجانب روح قوانينها الخاصة وقوانين الهياكل الدولية التي تنتسب إليها.

الشعبوية المقيتة

اختارت الجامعة التونسية لكرة القدم بسياسة فردانية لرئيسها وديع الجريء أن تلعب دورا مناقضا تماما لدورها، لتسير بذلك في طريق الشعبوية المقيتة التي تبتغي تسجيل نقاط تخدم فقط مصلحة الجريء الشخصية رغم أن الظاهر من سلوك ذلك الطريق هو إنقاذ أندية تونسية كبيرة بتاريخها.

فتح حسابات بنكية FTF Litiges لتمكين أحباء النادي الإفريقي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي من المساهمة في إنقاذ أنديتهم من سيف الديون المالية المتراكمة المسلّط على رقابها والذي يهددها بمصائب ليس لها أول ولا آخر لعل أهونها المنع من المشاركة في المسابقات القارية إضافة إلى المنع من الانتداب والتهديد بخصم النقاط، يبدو وكأنه كرم حاتمي من وديع الجريء، ولكنه في الحقيقة تشجيع صريح على التمادي في سياسة التصرف المالي الخرقاء التي أصبحت ككرة الثلج التي كلما تقدمت كلما تعاظمت.

نسي الجريء أن لا علاقة لجامعة كرة القدم بتاتا بملف تسوية ديون الأندية المنتسبة إليها، بل إن دور الجامعة هو حماية الأندية من المسؤولين الذين يأتون لتسييرها رغبة في وجاهة اجتماعية وسلطة (جهوية ووطنية) وهو لا يملكون أدنى المقومات التي تتيح لهم تسيير جمعيات رياضية بذلك التاريخ وتلك العراقة.

كان يجب أن تحمي الجامعة أنديتها (كل أنديتها وليس الكبار فقط) من مسؤولين يغرقونها بالتعاقدات المكلفة لتحقيق نتائج آنية تكون الشجرة التي تحجب غابة الديون الثقيلة التي يغرق في دوامتها النادي.

الجامعة مسؤولة عن الكارثة

وبتدقيق النظر في المسألة برمتها، فإن الجامعة التونسية لكرة القدم (وخاصة رئيسها) هي المسؤول المباشر عن الوضعية المالية الكارثية للأندية، ذلك أنها لو طبقت قوانينها بكل حيادية ونزاهة لمنعت الأندية من الانتداب قبل تسوية ملفات تعاقداتها العالقة وذلك لحمايتها من سوء التصرف بمزيد إغراق النادي في ديون أثقل. ذلك أن التثبت من الوضعية المالية الإجمالية للنادي ومن مدى احترامها لتعاقداتها مع منظوريها ولاعبين ومدربين هو الضامن الأساسي والأول لإنقاذ تلك الأندية من مسؤولين متهورين يخدمون مصالحهم دون انتباه لحجم الدمار الذي يخلّفونه عندما يغادرون.

ولكن الأندية تختار الحل الأسهل ثم تأتي الجامعة فتقدم لها مزيدا من التسهيلات الآنية، ولكن الحقيقة مخالفة تماما لمصلحة كرة القدم التونسية التي ساءت سمعتها كثيرا في علاقة بملف التعاقدات.

مأزق لا مخرج منه

ولا يقف المأزق الذي ورطت فيه الجامعة أنديتها بالتساهل معها في تطبيق القانون والسماح لها بمزيد الانتدابات قبل تسوية نزاعاتها العالقة، عند حد تفاقم الديون بفعل مواصلة نفس النهج في سوء التصرف المالي، بل يمتد إلى حد التهديد الصريح للسلم الأهلية في تونس، لأن الجامعة فتحت على نفسها أبوابا يستحيل أن تتمكن مستقبلا من إغلاقها، ففتح حساب بنكي للنادي الإفريقي دفع أحباء النادي الصفاقسي ثم النجم الساحلي للمطالبة (والتهديد) عبر وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين الجريء بالمعاملة بالمثل فانصاع طبعا لهذه المطالب وتلك التهديدان ولن يتوقف الأمر عند النجم والصفاقسي لأن أكثر من 90 بالمائة من أندية كرة القدم المحترفة تعاني نفس المشاكل المالية الكارثية وسيطالب جمهورها الجامعة ويهددها بضرورة فتح حسابات بنكية أخرى مما ينذر بفوضى عارمة يعلم الله وحده كيف سيكون مآلها.

كان من اليسير أن يستأنس وديع الجريء بالتجارب التي أثبتت فعاليتها ونزاهتها في بلدان إفريقية وأوروبية وغيرها حتى يجنّب كرة القدم التونسية الوقوع في هذا المأزق الذي لا نرى له مخرجا، ولكنه اختار الشعبوية ديدنا وقرأ حسابا لاعتبارات أخرى لا علاقة لها بكرة القدم، ولذلك دفعت الكرة التونسية الفاتورة الثقيلة لهذا الخيار ويبدو أنها ستبقى طويلا في هذا النفق الذي لا يلوح منه أي بصيص نور.

Tagged , , , , ,

About طارق الغديري

- مؤسس ورئيس تحرير الموقع الإلكتروني التونسي www.zajel.tn - ممثل تونس في التصويت على جوائز "الأفضل" للفيفا FIFA Awards منذ إنشائها سنة 2017 - رئيس تحرير الموقع الإلكتروني التونسي www.chakchouka-times.com من سبتمبر 2019 إلى أوت 2021 - المدير الإعلامي لجمعية أحباء الترجي الرياضي التونسي من أكتوبر 2018 إلى أفريل 2019 - مدير النسخة العربية للموقع الالكتروني لاتحاد شمال إفريقيا لكرة القدم من 2009 إلى 2013 - مراسل صحيفة "الاتحاد" الإماراتية في تونس من جوان 2018 حتى ديسمبر 2019 - مراسل موقع "سوبر" الرياضي الإماراتي في تونس من 2009 إلى 2012 - معدّ ومنتج برامج تلفزية رياضية في قناة "الحوار التونسي" من 2013 إلى 2014 - سكرتير التحرير وكاتب مقالات الرأي في جريدة "الصريح" اليومية التونسية من نوفمبر 1998 إلى أفريل 2018 - صحافي في جريدة "دنيا الملاعب" الأسبوعية التونسية من 1998 إلى 2000 - صحافي في جريدة "الأخبار" الأسبوعية التونسية من 1997 إلى 1998
View all posts by طارق الغديري →