متفرقات

طالب تونسي يروي رحلة الفرار من الموت في أوكرانيا

رائد الديماسي طالب تونسي يدرس الطب في مدينة أوديسا غربي أوكرانيا

رائد الديماسي، طالب تونسي يدرس الطب في مدينة أوديسا غربي أوكرانيا الواقعة على ساحل البحر الأسود، وصل تونس في رحلة الإجلاء الأولى من البلد الذي يعاني الهجوم العسكري الروسي.
ومطلع مارس الجاري، حطت في مطار قرطاج الدولي بالعاصمة تونس، أول رحلة جوية تقل 106 تونسيين قادمين من رومانيا بعد وصولهم إليها هربا من الحرب في أوكرانيا.

مشاهد الموت بأوديسا

وعيناه تذرفان بالدموع، يروي الديماسي للأناضول أول مشاهد الموت وآثار الحرب التي رآها في أوديسا، تلك المدينة التي شهدت أول هجوم من الجنود الروس على أوكرانيا.

يصف الديماسي ما رآه بـ “مشاهد الرعب” ويقول “استفقت يوم 24 فيفري الساعة الخامسة صباحا على أصوات القصف دون معرفة مصدرها لأهرع لفتح التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي ثم أكتشف المصيبة بأن الروس قصفوا ميناء أوديسا والمطار”.
وتابع: “من شباك شقتي، شاهدت دخانا ينبثق من السماء من جهة الميناء فاتصلت بأصدقائي التونسيين للاطمئنان عليهم وخرجت أركض نحوهم وحاولنا تجميع بعضنا حيث كنا 3 أولاد و7 بنات، وسعينا لاقتناء بعض المأكولات، ثم اتصلنا بوزارة الخارجية التونسية وسفارة تونس بموسكو”.

اتصالات بموسكو وتونس

ومضى قائلا: “مع صعوبة التواصل مع سفارة تونس بموسكو، اتصلت بطارق علوي رئيس جمعية الجالية التونسية بأوكرانيا لمعرفة ما سيقومون به لمساعدتنا، فدعانا للتريث والالتزام بمنازلنا، وأخبرنا بأن تونس سترسل طائرة، فقلت له هذا مستحيل لأن المجال الجوي الأوكراني أصبح مغلقا”.
“لم أحتمل الانتظار وحياتي مهددة، حتى العمارة التي أقطنها لا أعرف طبيعة سكانها هل هم جنود أو أناس مسلحون خاصة وأنه قبل يومين تم تسليح الشعب الأوكراني”، وفق الديماسي.
وتابع: “نمنا جميع على الأرض في شقتي بالطابق التاسع في زاوية ضيقة قرب الحمام وأغلقنا الشبابيك بالكراسي والخزائن مع غلق الأضواء”.


بداية الرحلة

يتابع الديماس رواية أحداث ساعاته الأخيرة في أوكرانيا، ويقول “في الخامسة صباح تلك الليلة الصعبة، استفقنا ومن أمام مستشفى أوديسا توجهنا بسيارات أجرة إلى حدود دولة مولدوفيا”.
زاد من رهبة المشهد والأجواء، ما شهده الديماسي ورفقاؤه، بمجرد وصولهم إلى الحدود، حيث وجدوا “الطريق محاصرة بالدبابات والنساء تصيح، والأطفال يبكون، والعساكر تهرول هنا وهناك، والغابات من اليمين واليسار محترقة واللهيب يتصاعد منها”.
يتابع الديماسي: “بمجرد وصولنا للحدود المولدوفية، تابعنا المشي بسرعة إلى أن وصلنا الساعة الرابعة مساء قبل أن يحل الظلام وبقينا حتى 11.30 صباحا على الحدود دون معرفة ما ينتظرنا”.
وأضاف: “كان معي تونسيون إقامتهم غير مجددة وجوازات سفرهم منتهية وعانينا من إشكاليات لطلب اللجوء، فوجدنا أشخاصا من مولدوفيا متطوعين اصطحبونا عبر شاحنات إلى العاصمة المولدوفية نحو الملجأ”.

“لاجئون” في مولدوفيا

يمضي الشاب التونسي في القول: “كنا خائفين من هذه الشاحنات التي لا نعرف من يقودها، خاصة وأننا نستمع دوما إلى أخبار تفيد بأن العمليات التي تمر عبر الحدود يمكن أن تكون عمليات تهريب وتجارة أعضاء أو خطف”.
في تقدير الطالب التونسي، فإن التحرك الدبلوماسي كان غائبا في مولدوفيا، حيث قام بصفة تطوعية بصياغة قائمة لمواطنيه الموجودين الذين وصل عددهم إلى 34، قبل تقسيمهم ووضعهم في الملاجئ .
ويتابع: “اتصلت بالقنصل وسفيرتنا في رومانيا وأرسلنا إليها القائمة وطمأنتنا وأرسلوا لنا حافلة ووصلنا إلى رومانيا وتحديدا لمدينة ياش الحدودية، ووضعونا في مبيت دون توفير قارورة ماء واحدة أو أكل بعد تلك الرحلة الصعبة ما جعلني غير مطمئن”.

عطش وجوع

يواصل الديماسي سرد قصة الرحلة: “اصطحبونا إلى مطار بوخارست، واستقبلتنا السفيرة بمنحنا كمامات للوقاية من كورونا ونحن عطشى”.
ويستذكر مشاعرهم حين رؤيتهم علم تونس يرفرف على طائرة عسكرية، كانت تنتظرهم، وبشكل تلقائي ردد عدد منهم “تحيا تونس”.
ولفت إلى أن دموع الجنود والعساكر الذين فرحوا لوصولهم بعد رحلة صعبة حركت مشاعرهم كذلك، “وبعد رحلة دامت 3 ساعات ونصف كنا في أحضان عائلاتنا الذين بكوا خوفا من فقدنا”.

مصير مجهول وأوراق تحت الأرض

ويرى الديماسي أنه على السلطات التونسية التدخل وتقديم رؤية واضحة حول مصير جميع الطلبة الذين ذاقوا الأمرين وصرفوا أموالا كثيرة من أجل دراستهم.
واعتبر أنه ليس بالسهل أن يدرس الطلاب في أوكرانيا أربع أو خمس سنوات ثم تتوقف الدراسة ويصبح مصيرهم مجهولا خاصة أن عائلاتهم دفعت من دمهم وباعت ممتلكاتهم لتعليمهم، وفق تعبيره.
وتابع “أخبرنا أساتذتنا في الجامعة أن وثائقنا تحت الأرض تم دفنها كي لا تحترق بنيران القصف ولا تضيع لكن هذا زاد في غموض مصيرنا”.
ودعا الديماسي، الرئيس التونسي قيس سعيد إلى التدخل قائلا “نحن 1200 طالب بأوكرانيا أجليتمونا من الحرب فشكرا لكم، لكن، إن كان مستقبلنا سيضيع فإن الموت في الحرب وتحت القصف أهون”.
وأجلت تونس منذ مطلع الشهر الجاري 433 من مواطنيها بأوكرانيا عبر رحلات قادمة من رومانيا وبولندا.
ويقيم أكثر من 1500 تونسي بأوكرانيا ويتركزون في 4 مدن، هي: أوديسا على البحر الأسود، ودنبرو، وخاركوف على حدود روسيا، ونسبة ضئيلة بالعاصمة كييف، وفق جمعية “الجالية التونسية في أوكرانيا”.
وأطلقت روسيا، فجر 24 فيفري الماضي، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية “مشددة” على موسكو.

Tagged , , , ,