رياضة

انسحاب الترجي كشف عن حجمه الكبير في القارة

شعاع من مارج

الترجي انسحب من ربع نهائي رابطة الأبطال.. هذه ليست الأولى.. و لن تكون الأخيرة.. لأن سنة كرة القدم أن تكون غالبا أو مغلوبا.. وفي كرة القدم ليس هناك أمان ولا ضمان.. تكون الأفضل وتنهزم وتكون الأقوى وتنهزم وتلعب أحسن وتنهزم. لذلك فإن كل من اهتم بهذا الانسحاب أو أراد أن يجعل منه فرصة للتقليل من حجم الترجي فهو مخطئ في حساباته خاصة إذا ما كان بعيدا عن الدائرة التي ينافس فيها الترجي أعني دائرة صفوة الأندية في القارة.. الثمانية الأفضل والذين بينهم كرّ وفرّ.. مرة إليك ومرة عليك.. الثمانية.. علامة إفريقية مسجلة ومدونة في التاريخ  تعرّف بمن هو في دائرة الأبطال و من هو في دائرة الأقزام..

لقد اكتشفت بعد انسحاب الترجي أن عصام الشوالي حين هتف بأعلى صوته ذات مرة قائلا : “كم أنت كبير يا ترجي” لم يجانب الصواب بل كان محقا في قوله، ففي اليوم الموالي لمباراة وفاق سطيف و إلى حد يوم أمس كانت الصحافة الإفريقية تتحدث باستغراب عن هزيمة الترجي، واستغرابها نابع من قناعة بأن هذا الفريق من كبار القارة وهزيمته تمثل حدثا مفاجئا في حد ذاته. نعم تلك هي صورة الترجي وذاك هو حجم الترجي في القارة وفي هذا مجلبة للاعتزاز، لا الترجيين فحسب، بل كل  التونسيين الذين يتكبّد الترجي عناء رفع هاماتهم في إفريقيا، رغم أن البعض من هذه الهامات لا ترتفع وتقتحم الفضاء إلا لأنها فارغة خفيفة، تجسد قول الشاعر: “ملأى السنابل تنحني بتواضع … و الفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ.”

قدر الترجي، بان جليا، في السنوات الأخيرة، وهو أن يحمل على ظهره أشلاء بطولة لا فيها ملاعب ولا فيها مستوى ولا فيها قيم ولا فيها أخلاق ولا فيها نزاهة ولا فيها أي شئ يقويك ويمكنك ويزودك بالسلاح المطلوب لتواجه كبار القارة، ورغم ذلك ينجح الترجي في افتكاك موقع متقدم في كل مرة ويكون دائما في رأس قائمة المتكهن لهم بالتتويج. ثم يخرج لك بعض المرضى ممن تمكن الحسد، والعياذ بالله، من نفوسهم المريضة ليصنعوا من انسحاب في ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا احتفالا رغم أن البعض منهم لم يشهد هذا الدور إلا في المنام  ولا هو مبوّب في القارة أصلا، وعوض الإنكباب على حل مشاكلهم ليرتقوا إلى مستوى الترجي ويتكبدوا معه مشقة افتكاك موقع لأندية تونس في القارة ليساعدوا هذا البلد على هم الزمان وليزرعوا بسمة على شفاه شعبها المنكوب ينشغلون في سكرة المعربدين بالاحتفال بهزيمة الترجي وهم لا يدركون أن ما يفعلون يفضح شعورا أبديا بالنقص لم يتمكنوا من التخلص منه لأنهم لم ينكبوا على العمل للتخلص منه بل انشغلوا فقط بدور السارق الذي يترصد الغفلة  ليصنع الحفلة هم لا يدرون أن مثل هذه الإحتفالات لا يمكن أن تخلف  سوى النكبات وكم من نكبات عاشوا وكم من نكبات سيعيشون إذا ما واصلوا بهذه العقلية.

لست ضد أن تتبادل الجماهير المتنافسة بعض الإستفزازات البريئة و بعض “التنبير” و”الفدلكة” في مثل هذه الحالات فذاك هو جو كرة القدم بل تلك إحدى متعها، لكن حين يصل الأمر حد مناصرة الخصم الأجنبي على حساب التونسي فإن هذا يصبح تكريسا ودعما للانقسام و التفريق بين أبناء البلد الواحد.. أفلا يكفينا ما فعله بنا السياسيون في هذا الإتجاه؟ إلى أين نريد أن نصل؟ لقد بلغ الأمر بالبعض حد حشر الشعائر الدينية في الموضوع.. نعم حتى مشاعر الدين السامية لم تسلم منهم حين قالوا إن الترجي لا يفوز في رمضان ولا يفوز في “العواشر” ولا يفوز يوم الجمعة.. ولا أدري هل لهؤلاء ذاكرة أم أصابهم زهايمر الحسد  فأنساهم أن الترجي رفع رابطة الأبطال ضد الأهلي يوم جمعة وأن الترجي رفع رابطة الأبطال ضد الوداد ليلة السابع والعشرين من رمضان أي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و الترجي رفع في جمعات ورمضانات عديدة  ألقابا و ألقابا في كرة  القدم و كرة اليد والكرة  الطائرة ، و التاريخ مدون لا يمحي.

بصراحة أجد نفسي ساذجا وأنا أرد على إدعاء أكثر سذاجة، وإذا كان هذا الإدعاء مبوّب في خانة النكت فهو نكتة ركيكة بليدة أثقل من ظل من أتى بها. ثم قبل هذا وبعده ألا يسلم منكم حتى دين أبيكم و أمكم و أجدادكم؟ ألا يسلم منكم دينكم ؟ أي “سخطة ” تريدون إنزالها على رأس هذه البلاد الطيبة التي تطمع في  كل قطرة عرق يمكن لها أن ترفع لها اسمها خارج حدودها؟ أفيقوا من غفوتكم قبل أن يهرب بكم الزمن أكثر مما هرب. الترجي أكبر من أن تؤثر فيه هذه التصرفات المخزية لأصحابها. بل إن الترجي لن ينشغل إلا بما هو مطلوب منه دون التفات إلى ركب السلاحف التي تتحرك بشقاء، و قد لا تتحرك إلا بهمز ولمز يدفعها من الخلف. والترجي سيواصل، ينتصر و ينهزم، لكن الهزيمة لن تقسم له ظهرا والفوز لن ينسيه أنه مطالب بفوز آخر و لن يجعله يعتقد بأنه جر الأسد من أذنه.. رغم أنه جر أسودا و نسورا إلى حديقته.

كلام أقوله اليوم عن الترجي وسأقوله في كل مرة يتعرض فيها أي فريق تونسي إلى مثل هذا “السطنبالي” الذي تتخصص فيه ملة المرضى و الحاقدين .. كم أكره هذه الملة  الكلبة..

Tagged , , ,

About عبد الباقي بن مسعود